والشيء الجديد الذي وجده
هؤلاء العلماء لأول مرة:
أن طبيعة الجريان أي جريان الماء العذب داخل الماء المالح هو جريان
مضطرب وليس مستقراً، والجريان المستقر يكون جرياناً صفائحياً لا توجد
فيه اضطرابات، بينما الجريان المضطرب للماء يعني وجود دوامات وهنالك
اختلافات في سرعة الجريان من نقطة لأخرى.
نستطيع
أن نلخص بحث هؤلاء العلماء في ثلاثة نقاط أساسية:
أن منطقة المصب يتم فيها
مزج دائم للماء المالح مع الماء العذب.
ويتم فيها اضطراب في
الجريان.
وهنالك اختلافات كثيرة في
الكثافة والملوحة والحرارة.
وعندما رجعت إلى قواميس
اللغة لأبحث عن كلمة مرج
(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ) وجدت
أن هذه الكلمة تتضمن المعاني الثلاثة التي وجدها العلماء حديثاً. فمن
معنى كلمة مرج (أي خلط ومزج). وهنالك معنى آخر (المرج هو الاختلاف
أيضاً). والمعنى الثالث (المرج هو: الاضطراب ).
لذلك قال تعالى عن أولئك
المشككين الذين هم في اضطراب من أمرهم
(فَهُمْ فِي أَمْرٍ
مَرِيجٍ) [ق: 5]
أي مضطرب لا يستقر، أي أن كلامهم عن القرآن وتشكيكهم برسالة الإسلام
أشبه بإنسان مضطرب لا يستقر ولا يستقيم (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ)
أي أمر مضطرب.
وهنا يعجب الإنسان المؤمن
من دقة هذا التصوير الإلهي أن الله تبارك وتعالى اختار كلمة واحدة
ليصف بها العمليات الفيزيائية الدقيقة التي تحدث في هذه المنطقة،
ولذلك عندما قال:
(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) في كلمة مرج قمة الدقة
العلمية.
ولكن السؤال لماذا قال: (الْبَحْرَيْنِ)
ولم يقل (النهر والبحر) كما قلنا منذ قليل؟
عندما درس العلماء البحار
وجدوا أن الأنهار ليست هي المصدر الوحيد للمياه العذبة هنالك في قاع
المحيطات وتحت قاع المحيطات خزانات ضخمة للمياه العذبة تتدفق
باستمرار من قاع المحيطات، وهذه الخزانات الضخمة يبلغ حجمها أضعاف ما
يضخه النهر في البحر.
في كل نبع في قاع المحيط
يضخ كميات من المياه العذبة أضعاف ما يضخه ذلك النهر.
وهنا ندرك لماذا قال الله
تبارك وتعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) لأن هنالك بحراً
عذباً وخفياً لا نراه بأعيننا ولكنه موجود، وهذه المياه العذبة التي
تتدفق من قاع المحيطات أحياناً تصل إلى سطح الماء، تسير آلاف الأمتار
حتى تصل إلى سطح الماء، وتظهر لنا الأقمار الاصطناعية التي قامت
بتصوير هذه المحيطات والخلجان بالأشعة تحت الحمراء تظهر وجود هذه
الينابيع التي تمتزج بشكل دائم مع المياه المالحة
[/url]
إذا دققنا في هذه
الصور نلاحظ أن ماء النبع العذب نجد أنه يتلون في الصورة طبعاً بلون
آخر، يدل على أن هذه المنطقة تحوي مياه عذبة باردة، تكون عادة باردة.
وهنا نجد الله تبارك وتعالى دقيق في تعابيره عندما قال (وَهُوَ
الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) أي أن هنالك بحراً عذباً غير الأنهار
التي نهراها، هنالك بحراً عذباً في قاع المحيطات، وهنالك بحراً مالحاً.
[size=16](هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ
وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ)
وهذه الكلمات الرائعة
توقفت عندها طويلاً، وقلت لماذا
قال الله تبارك وتعالى (هذا عذب فرات)،
لم يقل عذب فقط، ولماذا
قال (هذا ملح أجاج)،
ولم يقل ملح؟
وهنا سوف نكتشف معجزة في
هذه الكلمات الأربعة: عذب - فرات - ملح - أجاج
فمياه الأنهار ليست عذبة
مائة بالمائة، إنما تحوي نسبة ضئيلة من الأملاح والمعادن وبعض
المركبات الكيميائية. ومياه البحار أيضاً فيها ملوحة زائدة، فعني في
كل متر مكعب من مياه البحر هنالك بحدود 35 كيلو غرام من الملح،هنالك
ملوحة زائدة في هذه البحار لذلك قال الله تعالى: (وَهَذَا مِلْحٌ
أُجَاجٌ).
عن المياه العذبة لم يقل
(هذا عذب) فقط،
إنما قال (فُرَاتٌ)
وكلمة (فرات) في اللغة أي: المستساغ
المذاق، لو كانت
مياه النهر عذبة مائة بالمائة ليس لها طعم، وليس لها أي شيء يستساغ،
ولكن عندما تمتزج مع هذه الأملاح والمعادن إلى آخره فإنها تكسبها هذا
الطعم المستساغ الذي نُحس به أثناء شربنا لهذه المياه العذبة.
عندما
قال تبارك وتعالى (هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ)
إنما تعامل القرآن مع قضية المياه بدقة علمية كبيرة، فعلماء المياه
اليوم يصنفون المياه حسب درجة الشوائب التي فيها، أو الأملاح التي
تحتويها، فالماء المقطر هو ماء عذب مائة بالمائة، والماء الفرات هو
ماء الأنهار يحوي نسبة ضئيلة جداً من الأملاح لا نحس بها ولكنها
موجودة، والله تبارك وتعالى عبر عن ذلك بكلمة فرات (هَذَا عَذْبٌ
فُرَاتٌ). أما المياه الخاصة بمياه البحار: هذه المياه تحتوي كميات
زائدة من الملح، لم يكن أحد يعرف ذلك الأمر ولكن القرآن وصف لنا بأن
ماء البحر هو (مِلْحٌ أُجَاجٌ)